سؤال عن مشاركة المرأة ولقاؤها الرجال في عصر الرسالة
كاتب الموضوع
رسالة
اسيل مديرة المنتدى
عدد المساهمات : 1302 الموقع : https://assil.mam9.com/ تاريخ التسجيل : 02/11/2013 نقاط : 3394 السٌّمعَة : 3
موضوع: سؤال عن مشاركة المرأة ولقاؤها الرجال في عصر الرسالة السبت نوفمبر 09, 2013 3:59 am
الجواب الْمُفَصِّل فيُقال فيه :
ما استدلّوا به مِن أدلّة على جواز الاختلاط فليس فيها لهم مُستمسك ، ولم يَقُل أحد مِن أهل العلم – قديما ولا حديثا – بِجواز الاختلاط الذي يَدْعُون إليه اليوم .
وحضور النساء مع الرجال في المساجد ليس فيه اختلاط ؛ لأن النساء كُنّ يَحْضُرْن خَلْف صفوف الرجال ، ولا يَخْتَلِطْن بهم .
والدليل على ذلك أمور :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم جَعَل المرأة العجوز تَصُفّ مِن وراء الصبيان . وقد تقدّم .
الثاني : أن صفوف النساء مِن وراء صفوف الرجال ، ولأجل ابتعاد الرجال عن النساء والعكس ، قال عليه الصلاة والسلام : خير صفوف الرجال أولها ، وشرّها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرّها أولها . رواه مسلم .
الثالث : أن النساء كُنّ يبْتَعِدْن عن الرجال ، بحيث يُقدَّر أنهن لا يسمعن صوت الخطيب إذا خَطَب وعلا صوته .
ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَج ومعه بلال فظنّ أنه لم يُسْمِع النساء ، فوعظهن وأمَرَهنّ بالصدقة . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : فرأى أنه لم يُسْمِع النساء ، فأتاهن .
الرابع : أن النساء طَلَبْن مِن النبي صلى الله عليه وسلم أن يُفْرِد لهنّ يومًا ، ليُعلّمهن ويَعِظهنّ ؛ لأن الرجال قد غلبوا النساء على النبي صلى الله عليه وسلم وأحاطوا به ، فلم يكُنّ يسمعن ، ولو كُنّ مُختلطات بالرجال لم يغلبهنّ الرجال ، وكذلك لو كُنّ يلتصقن بصفوف الرجال .
قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : غَلَبنا عليك الرجال ، فاجْعَل لنا يومًا مِن نفسك . فَوَعَدَهنّ يومًا لَقِيهنّ فيه ، فَوَعظهن وأمَرَهن . رواه البخاري .
الخامس : أنه لَمّا وَقَع الاختلاط في الطريق ، نَهَى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدّم في الجواب المُجْمَل .
فعلى هذا يكون سؤال أسماء رضي الله عنها للرجل ، ليس لأنها إلى جواره ، وإنما لِكونها خَلْف الرجال ، كما هو معلوم مِن حال صفوف النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
ودلّ على هذا :
أن عدم سماع النساء قول النبي صلى الله عليه وسلم واضِحًا ، دليل على بُعْدِهنّ عن مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء في خُطبة العيد ، أو في الموعظة .
وهذا دلّت عليه الأدلة السابقة ، وهي صريحة في كون النساء خَلْف الرجال ، بل يَبْتَعِدْن عنهم .
وعلى هذا يُحْمَل القول للنساء : (لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا)
وفيه دلالة على شَظَف العيش ، فلا تُوجَد سُتور تُوضَع بين الرجال والنساء ، ولم يكن للبيوت سُتور أيضا .
ويدلّ عليه ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب مِن تلقاء وجهه ، ولكن مِن رُكنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : السلام عليكم ، السلام عليكم . وذلك أن الدُّور لم تكن عليها يومئذ سُتور .
وأما قصة المرأة التي جاءت تَعْرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يُمكن الاستدلال بها على الاختلاط ؛ لأن دُخول المرأة المسجد ، ووقوفها على مَجْمَع الرجال ، لتسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، أو تَعْرِض نفسها عليه ، ليس من الاختلاط ، فهي لم تأتِ لتجلس بين صفوف الرجال ، بل لم تجلس أصلا ، ولم تشقّ صفوف الرجال .
وهو مثل أن تدخل امرأة محكمة شرعية لتُطالِب بحقّها ، أو تشكو من ظلمها ؛ فهو ليس من الاختلاط في شيء .
ولو قيل بِجواز شيء مِن ذلك في ذلك الْمُجْتَمَع لم يكن تعميم القول به في مثل هذه الأجيال ، ولا في مثل هذه الأزمنة ، مِن بُعْد الناس عن الدِّين في كثير من الأحيان ، وضَعْف الوازع الديني في كثير من النفوس ، مع انتشاء الشرّ والفساد ، ولِشِدّة افتتان الرجال بالنساء ؛ وإنكار هذه الأشياء مُكابَرة ومُعاندة .
وقد سبق قول عائشة رضي الله عنها في مَنْع نساء بني إسرائيل مِن المساجد ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أدرك ما فعلته النساء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بِقليل لَمَنعهنّ من الخروج إلى المساجد ! فهي تحدّث عن جيل مِن خير الأجيال ، وقَرْن مِن خير القرون ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بِغيره من ألأجيال والأزمنة ؟!
وتقدّم أيضا قول الإمام عبد الله بن المبارك في مَنْع النساء مِن الخروج .
وقُل مثل ذلك في الغزو ؛ ولم تكن نساء السلف لِيخرُجن من غير وُجود مَحْرَم .
قال أنس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان ، فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته ، وجعلت تفلي رأسه ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استيقظ وهو يضحك . فقالت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ناس من أمتي عُرضوا عليّ غُزاة في سبيل الله ، يركبون ثَبَج هذا البحر ملوكا على الأسِرَّة ، أو مثل الملوك على الأسِرَّة . قالت : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ،فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم وضع رأسه ، ثم استيقظ وهو يضحك ، فقلت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ناس من أمتي عُرضوا عليّ غزاة في سبيل الله ، كما قال في الأولى . قالت : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم . قال : أنت من الأوّلين . فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان ، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر ، فهلكت . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : خَرَجَتْ مع زوجها عُبادة غازِية في البحر . اهـ .
وقال ابن عبد البر أيضا : وكانت أم حرام مع زوجها ، وكان الناس خلاف ما هُم عليه اليوم ! . اهـ .
كما أن نساء السلف لم يكن يختلطن بالرِّجال ، بل كُنّ في مؤخِّرة الصفوف .
قالت أم عطية الأنصارية رضي الله عنها : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ، أخلفهم في رِحالهم ، فأصنع لهم الطعام ، وأُداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى . رواه مسلم .
ولم يكن هذا في الإسلام فحسب ، بل حتى عند عَبَدَة الأصنام ! كانت النساء في أُخرَيَات الجيش .
ففي صفوف الجيوش الجاهلية ، التي جاءت بِخيلها وخُيلائها ، لم تكن النساء في صفوف الرجال ، ولا كُنّ معهم يُشارِكنهم القِتال ..
وكان عمر بن أبي ربيعة يقول :
إن مِن أعجب العجائب عندي ... قَتْل بيضاء حُرّةٍ عطبول
قُتلت حُرةٌ على غير جُرمٍ ... إن لله دَرّها مِن قتيل
كُتِب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جَرّ الذيول
وأما إذا اختلط الحابِل بالنابِل ، فلا تسأل عن سوء النتائج وعظيم المصائب !
ولا أدل على ذلك مما قَالَهُ السناتور الأمريكي " جرين " - عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي - حيث قال : إن الضمير الأمريكي يجب أن يتحرّك ، وإن معاهدةً لتصحيح الموقف يجب أن تُعقد .. أمَّا الموقف فهو خاص بـ " سبعين ألف ابن حرام !! " وُلِدُوا بسبب الجنود الأمريكان !! فلما حاولَتْ إحداهن أن ترفع قضية نَفَقَة حَكَمَ القاضي ضدّها ، وقال : إن العبرة تقضي بضرورة أن تحرص هؤلاء الشّابات في علاقتهن مع الجنود الأمريكان حرصًا أكثر مِن ذلك ، وبذلك سَقَطَتْ نفقة سبعين ألف امرأة !! . اهـ .
( " المرأة في الإسلام " ، تأليف : كمال عون – بتصرّف – نقلاً عن كتاب " المرأة بين الفقه والقانون " تأليف : د . مصطفى السباعي ص 190 ، 191 )
وقال الدكتور السباعي : على إثر خروج المرأة الأمريكية ، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يَسمح للمحاكم بمعاقبة الأمهات غير المتزوجات ! اللواتي يُنجبن طفلين أو أكثر بالسجن من سنة إلى سنتين !!
ثم قال الدكتور : " مسكينة المرأة الغربية ! أخْرَجُوها مِن بيتها ودَفعوها إلى العمل في المصانع وغيرها ، فلما أنْتَجَتْ هذه الفلسفة نتيجتها الطبيعية قامُوا يُعاقبونها بالسجن مِن سَنة إلى سنتين !! " . اهـ .
وأما اعتبار جلوس المرأة عند القبر ومرور النبي صلى الله عليه وسلم عليها وإنكاره عليها الْجَزَع ؛ اعتباره من مشاركة المرأة في الحياة العامة : أضحوكة ! يكفي نقلها في ردِّها !!
أي مشاركة اجتماعية في جلوس امرأة إلى جنب قَبْر صبيّ لها ؟!!
وهذا دليل واضح على عجزهم وتخبّطهم ، بحيث ضاقت عليهم الأدلة ، فأصبحوا يحشدون ما لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد في الاستدلال على الاختلاط !!
وأما خدمة العروس للرجال ، فليس فيه دليل على الاختلاط الذي يُريدون الاستدلال له !
فهي امرأة دخلت في حجابها ، فَسَقَتْ النبي صلى الله عليه وسلم إكرامًا له وإتحافا ، ولم يكن ذلك شأن جميع نساء السلف ، ولا كان هو الغالب ..
وهم قد نَقَلوا أن مَحَلّ ذلك عند أمْن الفتنة ومُراعاة ما يجب عليها مِن الستر .
فأين هذا مِن واقع الاختلاط المرير الذي مَجّـه الغرب ، فجاء العرب ليستسيغوه ؟!!
وأين ذلك الدخول ، أو المرور العابِر مِن اختلاط في الأعمال وفي المدارس والجامعات ، يدوم طويلا ، وتحصل معه وبِهِ الخلوة ، ويقع به الاحتكاك ؟!
وسَل كل عاقل وعاقلة دَرَسوا في مدارس مُختَلَطة يأتونك بالخبر اليقين ! مِن حكايات قيس وليلى ! وكم عذراء فقدت عُذريتها ؟! وكم تتردّى النتائج الدراسية في ظِلّ الاختلاط المحموم !
وخُذ مِن لُغة الأرقام :
54 حالة اغتصاب في أكاديمية أمريكية للطيران !
اعترفت استبانة صادرة عن الجيش الصهيوني بالفساد الموجود داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بين الرجال والنساء ، وقالت : إن 20% مِن الْمُجَنَّدَات الصهيونيات في جيش الاحتلال يتعرَّضْن خلال خدمتهن العسكرية إلى المضايقات والتحرش الجنسي مِن قِبَل رِفاقهن والمسئولين عنهن في الجيش !
70% مِن الطالبات في أمريكا تعرضن لمضايقات جنسية مختلفة خلال فترة الدراسة في الجامعة ! مع إن 90% مِن اللاتي تعرضن لمضايقة لم يُبلغن الشرطة !
(كانت هذه الإحصائية في عام 1419 هـ )
دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والطفل بالقاهرة على (1472 فتاه وامرأة ) تبيّن أن :
أن النساء العاملات بالقطاع الخاص يتعرضن لمتاعب كبيرة من جانب الرؤساء والزملاء الرجال .
70% تعرضن إلى مضايقات وإهانة في أماكن عملهن
54% من المضايقات تأخذ شكلا جنسيا !
30% معاكسة بالألفاظ الجارحة
17% التحرش الجنسي !
23% منهن لديهن حالة مِن الخوف والإحباط والارتباك والخوف بسبب المضايقات ، وتولد لديهن إحساس بالإهانة والغضب والرغبة في الانتقام والمواجهة !
قامت مجموعة من البريطانيات بجامعة أوكسفورد بمظاهرة خَوفًا مِن السماح بالاختلاط في الكلية .
وجاءت أفضل النتائج من المدارس الدينية ببريطانيا ( المدارس الدينية وهي التي تفصل الطلاب عن الطالبات) !
ونشرت مجلة الأسرة في أعداد سابقة أن طالبات الـ Miggs College بكاليفورنيا باختلاف أصولهن الاجتماعية قاموا بِشَنّ إضراب لِرفض الاختلاط ، ورَبِحْنَ القضية !
وأما قول عائشة رضي الله عنها : فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا ، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي ..
فهذا فيه دلالة على أن عائشة رضي الله عنها هي التي أذِنَتْ لها ؛ لأن المرأة إنما استأذنَتْ على عائشة ، ولم تستأذن أهل البيت كلهم لتجلس إليهم .
ومجيء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة ودخوله عليها ، إنما كان بعد أن سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جَلس إلى عائشة رضي الله عنها مِن أجل مَوعِظتها ، فإنها رضي الله عنها قالت : فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ . قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ . قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَال : أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . رواه البخاري ومسلم .
وأما الاستدلال بِدُخول الـنَّفَر مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْس رضي الله عنها ؛ فهذا من العجائب !
لأن أبا بكر رضي الله عنه أنكر ذلك .
ثم أنكره النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قام عليه الصلاة والسلام عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلاَّ وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ .
وقد نَهَى عليه الصلاة والسلام عن الدخول على المرأة ، ولو كان الداخل قريبا من الزوج ، فقال عليه الصلاة والسلام : إياكم والدخولَ على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الْحَمْو ؟ قال : الحمو الموت . رواه البخاري ومسلم .
ومعلوم أن جانب الحظر مُقدَّم على جانب الإباحة .
ومعلوم أن الإباحة إنما هي في حال كون الداخلين جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم .
مع أن النووي رحمه الله قال : وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا تَحْرِيمه . اهـ .
فَعَاد الأمر إلى ترجيح جانب الحظر والمنْع .
ولو قيل بِجواز الدخول على المرأة مِن قِبَل جَماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة ؛ فإن اختلاف الزمان ووقوع الفسَاد ؛ يقتضي أن يُمنَع مِن الدخول على النساء .
ومعلوم أن آخر الأمر مِن أمْره عليه الصلاة والسلام أن قال في خُطبته في حجة الوداع في آخر حياته : ولكم عليهن أن لا يُوطئن فُرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح . رواه مسلم .
وأما الاستدلال بِدُخول سلمان رضي الله عنه على أم الدرداء رضي الله عنها ؛ فليس فيه دليل لِمَا ذَهبوا إليه مِن مشاركة المرأة في الحياة العامة ، لأساب منها :
أولاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد آخَى بين سلمان وبين أبي الدرداء رضي الله عنهم .
ثانيا : أن هذه القصة وقعت قبل نَسْخ هذه الأخوّة ، وقَبْل نُزول آيات الحجاب .
ثالثا : أن أم الدرداء المذكورة هنا هي الكبرى ، وهي خَيْرة بنت أبي حدرد الأسلمية ، وهي قد ماتت قبل أبي الدرداء ، فالقصة محمولة على تقدّم وقوعها قبل نُزول الحجاب .
رابعا : أنهم نقلوا قول ابن حجر في توجيه الحديث : جواز مخاطبة الأجنبية ، والسؤال عما يترتب عليه المصلحة ، وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل . اهـ .
خامسا : أنه قد صحّ النهي عن تكليم النساء بغير إذن أزواجهنّ . كما عند الطبراني ، وصححه الألباني .
فترجّح جانب المنع والحظر أيضا !
وأمْره عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن تعتد في بيت أم شريك ، ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي . فليس فيه دليل ؛ لأن أم شريك كانت امرأة كبيرة .
قال ابن عبد البر : وأما قوله : " اعتدي في بيت أم شريك ، ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدي في بيت بن أم مكتوم " ففيه دليل على أن المرأة المتجالّة العجوز الصالحة جائز أن يَغشاها الرجال في بيتها ، ويتحدثون عندها ، وكذلك لها أن تغشاهم في بيوتهم ، ويرونها وتراهم فيما يَحِلّ ويَجْمُل وينفع ولا يضر .
قال الله عز وجل : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) .
قال : والغشيان في كلام العرب الإلْمَام والوُرود .
وقال أيضا : ويجوز أن تكون فاطمة شابّة ليست مِن القواعد ، وتكون أم شريك مِن القواعد ، فليس عليها جناح ما لم تتبرج بِزينة ؛ فهذا كله فَرْق بين حال أم شريك وفاطمة ، وإن كانتا جميعا امرأتين العورة منهما واحدة . اهـ .
فهذا دليل عليهم لا لَهُم ! لأنه لو كان جائزا ، لَمَا كان لأمره عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس أن لا تعتدّ في بيت أم شريك معنى .
فهذا أيضا ليس فيه دليل على ما ذهبوا إليه ؛ لأن هذا لم يكن من الحياة العامة .
وغاية ما فيه أن المرأة أكَلَتْ مع زوجها والضيف .
ثم إن هذا محمول على أن هذا كان قَبْل نُزل الحجاب ، بدليل ما جاء في الرواية الثانية : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي مَجْهُودٌ . فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاّ مَاءٌ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ : لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ . رواه مسلم .
ومعلوم أن حالة الشظف تلك كانت في أول الإسلام ، بدليل ما رواه البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، فَيَسْأَلُ : هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ ؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ ، وَإِلا قَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ : أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ .
ويؤكِّد هذا المعنى ما رواه البخاري ومسلم من حديث عُمَرَ رضي الله عنه قَال : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ ، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
فلو كان هذا الضيف في مثل هذا الحال ، لَمَا تعذّرت ضيافته .
ولا يُمكن الاستدلال بِدُخول النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نساء المسلمين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبٌ لهم ، وهو أوْلَى بهم من أنفسهم بِصريح القرآن .
فعيادة النبي صلى الله عليه وسلم لأم السائب ، ودُخوله على أم حرام ، وعلى غيرها ؛ إنما كان لأنه عليه الصلاة والسلام بِمَنْزِلة الأب لعموم الأمة .
قال ابن عبد البر عن بعض دُخوله عليه الصلاة والسلام على النساء : على أنه معصوم ليس كَغيره ولا يُقاس به سِواه . اهـ .
وقال بعد أن ذَكَر دُخوله عليه الصلاة والسلام على أم حرام رضي الله عنها ، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن الدخول على النساء : وهذه آثار ثابتة بالنهي عن ذلك ، ومُحَال أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينهى عنه . اهـ .
وما استدلّوا به مِن دُخول النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة يعوده ، وقد وَجَده في غاشية أهله .. ثم فسّروا " غاشية أهله " ببعض معانيها ، وهو : الذين يغشونه للخدمة من أهله .
فقد جاء تفسير هذا اللفظ بغير ذلك ، وأكثر منه مما نقلوا منه !
قال ابن حجر :
قوله : " في غاشية أهله " بمعجمتين ، أي : الذين يغشونه للخدمة وغيرها ، وسقط لفظ : " أهله " مِن أكثر الروايات ، وعليه شَرح الخطابي ، فيجوز أن يكون المراد بالغاشية الغَشْية مِن الكَرْب ، ويُؤيده ما وقع في رواية مسلم : في غَشيته . وقال التوربشتي : الغاشية هي الدّاهية مِن شرّ أو مِن مَرض أوْ مِن مَكروه ، والمراد : ما يَتَغَشَّاه مِن كَرْب الوجع الذي هو فيه ، لا الموت ، لأنه أفاق مِن تلك المرضة وعاش بعدها زمانا . اهـ .
ولا يصح الاستدلال بِقصة أكل خالد بن الوليد الضبّ على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأن المرأة أكَلَتْ معه مِن إناء واحد ، فقد جاء في رواية للبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
قال ابن حجر : وعند الطبراني في "الأوسط" مِن وَجْه آخر صحيح : فقالت ميمونة : أخْبِرُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو .
وقال أيضا : في رواية يونس " فقالت امرأة مِن النسوة الحضور : أخْبِرْن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قَدَّمْتُنّ له ، هو الضب يا رسول الله " ، وكأن المرأة أرادت أن غيرها يُخْبِره ، فلما لم يُخْبِرُوا بَادَرَتْ هي فأخْبَرَتْ . اهـ .
فهذا كله يدلّ على أن النساء بِمَعْزِل عن الرجال ، بِدليل المناداة ، وهي لا تكون عن قُرْب ، بل تكون عن بُعْد ! ولو كُنّ قريبات لَسَمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثهنّ ، ولم يحتَج عليه الصلاة والسلام إلى من يُخبِره عن اللحم الذي قُدِّم له .
ويكون قوله : " فأكل منه الفضل وخالد بن الوليد والمرأة " محمول على أن امرأة مِن النساء أكَلَتْ وهي بِمعزِل عن الرجال ، وأكل الفضل وخالد معًا ، وهذا تقتضيه اللغة ، بِدلالة قوله : وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ : لا آكُلُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ولو قيل بأن الأكل حصل مِن الجميع رجالاً ونساء ؛ فقد حَمَله العلماء على أنه كان قبل نُزول الحجاب .
قال ابن عبد البر : وأما دُخول خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه ميمونة مع النسوة اللاتي قاقال بعضهن : أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه ؛ فإنما كان ذلك قَبل نُزول الحجاب . اهـ .
وأما ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه : ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَأَهْدَيْنَاهُ لِجِيرَانِنَا .
فهذه زيادة ساقها الإمام مسلم في المتابعات وليست مِن صُلْب حديث الثقات .
وأم سُليم هي أم أنس رضي الله عنه .. وهي زوجة أبي طلحة رضي الله عنه .
ففي بعض روايات مسلم : قال أنس رضي الله عنه : فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ .
فليس ثمّ أجنبي إذا !
فأبو طلحة زوج المرأة ، وأنس ابنها .. والمرأة إما أمّ النبي صلى الله عليه وسلم مِن الرضاعة أو هي خالته مِن الرضاعة ..
قال ابن عبد البر : وأم حرام خالة أنس بن مالك ، أخت أم سُليم بنت ملحان أم أنس بن مالك ... وأظنها أرْضَعَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أم سليم أرْضَعَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحصلت أم حرام خالة له مِن الرضاعة . اهـ .
مع ما سبق مِن القول بأنه عليه الصلاة والسلام بِمَنْزِلة الأب لِعموم الأمة .
فبَطَل الاستدلال بالأكل مع الأجنبي في هذه الواقعة
ومِن الكذب الواضح قول القائل : (وكان النساء يحضرن دروس العلم مع الرجال عند النبي)
مشكاة الإسلامية
سؤال عن مشاركة المرأة ولقاؤها الرجال في عصر الرسالة