جاء يوم العيد ، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحدَه لا يستمر أكثرَ من يوم .
زمنٌ قصير ظريف ضاحك ، تفرضهُ الأديان على الناس ، ليكونَ لهم بين الحين والحين يومٌ طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها .
يوم السلام ، والبِشر ، والضحك ، والوفاء ،والإخاء ، وقول الإنسان للإنسان : وأنتم بخير ! .
يوم الثياب الجديدة على الكل إشعاراً لهم بأنّ الوجهَ الإنسانيّ جديدٌ في هذا اليوم .
يوم الزينةِ التي لا يُراد منها إلا إظهار أثرها على النفسِ ليكون الناسُ جميعاً في يومِ حُـب .
يوم العيد ؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلوَ الكلماتُ فيه ...
يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعةً بقوة إلهية فوق منازعات الحياة .
ذلك اليوم الذي ينظرُ فيه الإنسان إلى نفسه نظرةً تلمح السعادة ، وإلى أهله نظرةً تُبصر الإعزاز ، وإلى دارهِ نظرة تدرك الجمال ، وإلى الناس نظرةً ترى الصداقة .
ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم ، فتبهج نفسه بالعالم والحياة .
وما أسماها نظرة تكشفُ للإنسان أنّ الكل جمالهُ في الكل .
----------
المصدر : اجتلاء (وحي القلم (ج2))
***
لا يكون السرور دائماً إلا جديداً على النفس ، ولا سرور للنفس إلا من جديد على حالة من أحوالها ؛ فلو لم يكن في كل دينار قوة جديدة غيرُ التي في مثلهِ لما سرّ بالمال أحد ، وما كان الخطر الذي هو له ؛ ولو لم يكن لكل طعام جوع يوردهُ جديداً على المعدة لما هنأ ولامرَأ ، ولو لم يكن الليل بعد نهار ، والنهار بعد ليل ، والفصول كلها نقيضاً على نقيضهِ ، وشيئاً مختلفاً على شيء مختلف .. لما كان في السماء والأرض جمال ، ولا إحساس بهما ؛ والطبيعة التي لا تفلح في جعلكَ معها طفلاً تكون جديداً على نفسك لن تفلح في جعلك مسروراً بها لتكون هيَ جديدة عليك .
***
كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجّر ينبوع الضوء المسمى النهار ، يولد النبي فيوجد في الانسانية ينبوع النور المسمى بالدين . وليس النهار إلا يقظة الحياة تحقق أعمالها ، وليس الدين إلا يقظة النفس تحقق فضائلها .
والشمس خلقها الله حاملة طابعهُ الالهي ، في عملها للمادة تحول به وتغيّر ؛ والنبي يرسله الله حاملا مثل ذلك الطابع في عمله تترقى فيه وتسمو .
ورعشان الضوء من الشمس هي قصّة الهداية للكون في كلام من النور ، وأشعّة الوحي في النبي هي قصة الهداية لإنسان الكون في نور من الكلام .
والعامل الإلهي العظيم يعمل في نظام النفس والأرض بأداتين متشابهتين : أجرام النور من الشموس والكواكب ، وأجرام العقل من الرسل والأنبياء .
فليس النبي إنسانا من العظماء يقرأ تاريخه بالفكر معه المنطق ، ومع المنطق الشك ، ثم يدرس بكل ذلك على أصول الطبيعة البشرية العامة ؛ ولكنه إنسان نجميّ يقرأ بمثل " التلسكوب " في الدقة ، معه العلم ، ومع العلم الايمان ؛ ثم يدرس بكل ذلك على أصول طبيعتهِ النورانية وحدها .
والحياة تنشيء علم التاريخ ، ولكن هذه الطريقة في درس الأنبياء ( صلوات الله عليهم ) ، تجعل التاريخ هو ينشيء علم الحياة ؛ فإنما النبي إشراق إلهي على الإنسانية ، يقوّمها في فلكها الأخلاقي ، ويجذبها إلى الكمال في نظام هو بعينهِ صورة لقانون الجاذبية في الكواكب .