اسيل مديرة المنتدى
عدد المساهمات : 1302 الموقع : https://assil.mam9.com/ تاريخ التسجيل : 02/11/2013 نقاط : 3394 السٌّمعَة : 3
| موضوع: إشكال إعرابي في آيتين كريمتين السبت نوفمبر 09, 2013 2:12 am | |
| السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
بسم الله الرحمان الرحيم
أنقل لكم توضيحا عميقا لإشكال إعرابي ورد في آيتين كريمتين
يزيد في تعميق تخاذل اليهود و انتصار المسلمين عليهم و استرداد فلسطين و القدس الشريف إن شاء الله
هَلْ من فرقٍ بين تَرْكيبَيْ العبارَتَيْن من قوله تَعالى: «وإن يُقاتلوكُم يُولّوكُم الأدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرونَ» [آل عمْران: 111] «وإن تتَولَّوْا يَستبْدلْ قوماً غيْرَكُم ثُمَّ لا يَكونوا أمثالَكُم» [محمد: 38] الفعلُ المُضارِعُ بعد "ثمّ" جاءَ مرفوعاً، في الآيَة الأولى، وجاء مجزوماً في الآيَة الثّانيَةِ ، فما الفرقُ بين التركيبيَنِ ؟
ففي الآيَة الأولى: إنْ شرطية جازمة، ويُقاتلوكم ويُوَلُّوا فعلان مضارعان مجزومان بأداة الشرط، وثمّ : حرف عَطف وتَراخٍ، ولكنَّها تُفيدُ ههنا مجرَّدَ الاستئنافِ لأنّ الفعلَ المضارع بعدَها لم يأت مجزوماً حتّى نقولَ إنّه معطوف على الفعل المجزوم قبلَه
خلافاً للآيَةِ الثّانيةِ التي وَرَدَ فيها الفعلُ [لا يَكونوا] مضارعاً مَجْزوماً معطوفاً عَطْفَ نَسَقٍ على الفعل يَسْتبْدلْ ، و السؤالُ : لِمَ عُدِلَ عن العَطْفِ [ثُمّ لا يُنْصَروا] إلى الاسْتئنافِ [ثمّ لا يُنْصَرونَ] ؟
1- في هذا الآيَة ما يُعرَفُ عند البلاغيّين بالإيضاح، وهو الإتْيانُ بكلامٍ ظاهرُه فيه لَبْسٌ، ثمّ يأتي بما يُوضِحُه في بقيّة الكَلامِ ففي الظّاهرِ عَطفُ غيرِ المَجْزومِ على المَجْزوم، والجوابُ من جهةِ المَعْنى أنّ صدرَ الآيَةِ يُغْني عن فاصلتِها، فإنّ تولِيَتَهُم الأدْبارَ دليلٌ كافٍ على الخذلانِ، وهم مَع تولِّيهم لن يُنْصَروا، ففي الفعل الأخيرِ دلالةُ التّكميلِ أي تكميل المَعْنى بالإفادَةِ أنّ العدوّ مع تولّيه محكومٌ عليه مستقبلاً بالهَزيمَةِ قاتَلَ أم لم يُقاتلْ، فلم يأت الفعلُ الأخيرُ مرتّباً على ما قبلَه بل جاءَ لإفادَةِ معنى الهَزيمَةِ مُطْلَقا و لو لَم يُذكَر الفعلُ [لا يُنصَرونَ] واقْتُصِرَ على الفاصلَةِ لم يُوفَّ المُرادُ من الكَلامِ، لأنّه لا يلْزَمُ دائماً من مُقاتَلَةِ المُسْلمينَ عدوَّهُم أن يتولّى عدوُّهُم، فهذا غيرُ واردٍ، ففي الفعلِ استئنافٌ لا عَطْفٌ لإدخالِ الطّمأنينةِ في نُفوسِ المؤمنينَ أنّ النّصرَسيَكونَ حَليفَهُم، ولإفادَةِ اليقينِ بأنّ النّصرَ إلى جانبِ المؤمنينَ فلا ينبغي أن يستسلموا وأنّ الهَزيمَةَ تُلاحقُ عدوّهُم .
2- عُدلَ عن الجَزْمِ إلى الرّفعِ وعن العَطْفِ إلى الاستئنافِ ليُعْلَمَ أنّ عدَمَ النّصرِ للكُفّارِ هو عهدٌ قَطَعَه الله على نفسِه، و لا عبْرَةَ بتحديدِ الهزائمِ بالأزمنةِ والأوقاتِ والظّروفِ والطّوارئ، فالهَزيمَة تُلاحقُهُم وإن تغلّبوا في الظّاهرِ في بعض الحُروبِ، فلَم تأت الأفعالُ معطوفاً بعضها على بعضٍ حتّى لا يُفهَم أنّ الأحداثَ متعاقبةٌ متسلسلة
3- أفادَت ثمّ الاستئنافيّةُ مَعْنى آخَرَ هو التَّعليقُ، وهو أن يتعلَّقَ الكلامُ إلى حينٍ، ودلّ على التعليق حرفُ ثمّ لِما فيها من مَعْنى المُهلَةِ والتَّراخي اللّذَيْن يُناسبانِ دلالة المُضارع على الحالِ أو الاستقبالِ، كأنّه قال: ثمّ ههنا مزيدُ امتنانٍ من الله لعبادِه المُجاهدين: وهو أنّ اليهودَ قومٌ مهزومون لا يُنصَرون البتّةَ 4- وإلى جانبِ الإيضاحِ والتّعليقِ هناك فنّ آخَر هو الاحتراسُ وهو أنّ الكلامَ لو عُطفَ بالواوِ لظنّ مَن لا يُنعمُ النّظرَ أنّ الآيَةَ تُفيدُ مجرّدَ الوعدِ بالنّصرِ في تلك الحالَةِ لا غير، فدُفِعَ الظّنّ بحرف ثُمّ التي تُفيدُ قطعاً أنّ النّصرَ للمؤمنينَ بلا أدنى شكٍّ، مُطلَقاً، حتّى لا يتوهّمَ متوهّمٌ أنّهم وُعِدوا بالنّصر في تلك المعركةِ بالذّاتِ فيندفعَ المُتباطئونَ لأنّهم وُعدوا بالنّصرِ، وأنّ الحربَ قد تكونَ سجالاً قالَ الزّمخشري رحمه الله في تَفسيرِ آية آل عمران، في كتاب الكَشّاف: « "ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ" ثم لا يكون لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم. وفيه تثبيت لمن أسلم منهم ، لأنهم كانوا يؤذنونهم بالتلهي بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم بأنهم لا يقدرون أن يتجاوزوا الأذى بالقول إلى ضرر يبالى به، مع أنه وعدهم الغلبة عليهم والانتقام منهم وأنّ عاقبة أمرهم الخذلان والذل. فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله: "ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ"؟ قلت عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء، كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت: فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قلت: لو جزم لكان نفي النصر مقيداً بمقاتلتهم، كتولية الأدبار. وحين رفع كان نفي النصر وعداً مطلقاً، كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوّة لا ينهضون بعدها بجناح ولا يستقيم لهم أمر وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر. فإن قلت: فما الذي عطف عليه هذا الخبر؟ قلت: جملة الشرط والجزاء كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت: فما معنى التراخي في ثمَّ؟ قلت : التراخي في المرتبة لأنّ الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار» ــــــــــــــــ أ.د عبد الرحمن بو درع
| |
|