أيها الإخوة الكرام: علينا أن نحمد الله على هذه النعم الجليلة التي حبانا بها سبحانه وتعالى ، والمتمثلة في شهر رمضان الكريم ، وما اشتمل عليه من الفضائل والمنح والهبات والخيرات والبركات ؛ ولكي لا نحرم من خيراته وبركاتت ، علينا أن نحرص على الآداب الآتية :
1- على الصائم أن يجتنب ما حرم الله ورسوله - صلي الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال ، كالكذب والغيبة والنميمة , وفضول الكلام بصفة عامة , وأن يغض من بصره عن النظر المحظورات ، مثل مشاهدة الصور الخليعة في الصحف والمجلات ، أو على شاشات التلفاز وهي أدهى وأمر... وأن يتجنب – أيضا – الاستماع إلى الأغاني المحرمة ... وذلك امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب و المحارم ودع عنك أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء "(أخرجه البيهقي قي شعب الإيمان).
فالصيام ليس إمساكا عن الطعام والشراب والجماع وحسب ، بل هو إمساك عن سائر المحرمات ، قال صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الصيام من الاكل والشرب إنما الصيام من اللغو، والرفث فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل إني صائم إني صائم ". (رواه ابن خزيمة وابن حبان). فقولك لمن سابك أو جهل عليك : (إني صائم إني صائم) معناه أني لا أستطيع أن أنزل إلى مستواك ؛ لأن صيامي يمنعني من ذلك ، وفيه تذكير للمعتدي بما ينبغي أن يكون عليه من الآداب ، والعجيب أن بعض الناس تتضاعف شرورهم في رمضان ، وخير شاهد على ذلك هذه الشجارات التي نلحظها في كل يوم من أيام رمضان !!! ، ولا معنى للصيام مع السلوكات السيئة ، وقد جاء في الحديث : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ().أي ليس لله إرادة في قبول صيامه ، فصيامه مردود غير مقبول.
2- الجود والكرم : وهما مستحبان في سائر الأوقات ، و يزداد تأكيدهما في رمضان ، وقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ". أي أسرع من الريح المرسلة في سرعتها وعمومها ومنفعتها ، ونحن عندنا مجموعة كبيرة من الأرامل والفقراء في هذا الحي فعلينا أن نجود عليهم بما استطعنا ، وبإمكان الواحد منا أن يصوم رمضان مرتين ، وذلك بأن يفطر معه صائما ، ففي الحديث : "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" (رواه الترمذي في سننه). ولا يشترط أن يأخذه معه إلى بيته ، بل يحصل له ذلك الأجر بأن يشتر له ما يفطر به ، أو يعطيه قيمة ذلك نقودا ، والله أعلم .
3- السحور: و لا خلاف في استحبابه ، و لا إثم على من تركه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة " (رواه الشيخان) . وإنما كان السحرور بركة ؛ لأنه يقوي الصائم ويعطيه نشاطا وحيوية ، ويهون عليه الصيام ، ويتحقق السحور ولو بجرعة ماء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين "(رواه أحمد). ويبدأ وقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، ولكن المستحب تأخيره ، فعن عمرو بن ميمون قال:" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطارا وأبطأهم سحورا" (رواه البيهقي بسند صحيح). ولكن ينبغي الإمساك بمدة قبل الأذان الثاني سدا للذريعة لئلا يدركه الفجر مفطرا ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما:؟ قال: خمسين آية " (رواه الشيخان).
4- كما يستحب تعجيل الفطر، وذلك عند غروب الشمس ، قال صلي الله عليه وسلم : " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر" (رواه البخاري ومسلم). ومن السنة أن يفطر على تمرات ، فإن لم يجد فعلى شربة ماء ، والإفطار على التمر بالإضافة إلى سنيته فهو يشتمل على فوائد طبية عظيمة النفع .
5- ومما ينبغي أن يراعيه الصائم الدعاء عند الفطر وأثناء الصوم ؛ لأن هذه الأوقات يستجاب فيها الدعاء , جاء في سنن ابن ماجة أن النبي ضلي الله عليه وسلم قال :" إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " (رواه ابن ماجه). ومن الأدعية الثابتة عن النبي صلي الله عليه وسلم عند الإفطار :" ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " . (رواه أبو داود) ومنها أيضا:" اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت " (رواه أبوداود).
6- أن يعقد العزم على صيام هذا الشهر إيماننا واحتسابا ، وعلى فتح صفحة جديدة مع ربه ، مستشعرا جلال نعمة الله تعالى عليه ، فقد وفقه لبلوغ رمضان ومتعه بالصحة والعافية ، وان كثيرا من الناس قد حرموا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه ، أو بعجزهم عنه ، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به ، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ، ورفع الدرجات في دار النعيم .
7- أن يحرص على قيام رمضان ومنه صلاة التراويح ، وهو سنة مؤكدة , وتسن فيها الجماعة , فالمؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ، والتراويح في مذهبنا ثماني ركعات كما هو معلوم , وعلى المأموم أن لا ينصرف حتى ينتهي الإمام من صلاة الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ، وفي الحديث : " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (أخرجه الترمذي، وأبو داود، والنسائي ). فإذا صلى بعد ذلك في بيته فزيادة الخير خير ، ولكن عليه ألا يجهد نفسه خشية السآمة والملل ؛ فهما آفتان عظيمتان فلنتقهما ، و لنأخذ من الأعمال ما نطيق.
=====
اللهم جملنا بالاخلاق الاسلام
تقبل الله صيامكم