سميت باللوزتين (tonsils) تشبيهاً بحبات اللوز، كما يحصل لتسميات كثيرة في المجال الطبي، وهما على شكل غدتين صغيرتين تتمركزان في كل ناحية من أسفل الحنك، لذا فهي من الناحية التشريحية تعرف باللوزتين الحنكية، تتموضع في داخل البلعوم وعلى علاقة وثيقة بالحجاب الذي يعتلي البلعوم وبالدعامة الأمامية والخلفية.
نستنتج إذن من تمركز اللوزتين وجودهما في منطقة وسط بين الجزء الأعلى للمجاري الهوائية (الأنف والجيوب واللحمية والأذن) وبين الجزء الأسفل منه المكون من الرغام والقصبة الهوائية والرئتين.
أما من الناحية التكوينية، تؤلف اللوزتان مجموعة من العقد اللمفاوية وتنتمي إلى الجهاز اللمفاوي العام في الجسم والذي يحوي كذلك أعضاء أخرى هي: النخاع العظمي والطحال والغدة الصعترية وبقية الغدد اللمفاوية المنتشرة في أماكن محددة منه؛ لتشكل مجتمعة الجهاز المناعي الدفاعي للجسم عبر الخلايا اللمفاوية التي تسري داخل هذه الغدد والأعضاء.
من هنا تبدو الأهمية الاستراتيجية للوزتين، فها تمثلان الحارس الأول للدفاع عن الجسم في حال تعرضه لاعتداءات خطيرة، كالتي تحصل في الإصابات الجرثومية خصوصاً، وهي كثيرة في هذا المفترق المتعدد المجاري للجهازين التنفسي والهضمي في آن.
من الناحية المرضية تشكل التهابات اللوزتين أكثر الأمراض شيوعاً، بعد الإصابات الأنفية البلعومية، من خلال إصابتها بالجراثيم، إذ تسجل ملايين الإصابات في جميع أنحاء العالم سنوياً، وفي جميع الفصول المناخية، مع ازدياد نسبتها بين شهري تشرين الثاني ونيسان. وهي كذلك من أكثر الأمراض عُرضة للمضاعفات (في شكلها البكتيري بخاصة) ربما هي ناتجة عن عدم التزام المريض بالمدة الكافية للعلاج الذي وصفه الطبيب، أو من خلال المعالجة الذاتية دون الاستشارة الطبية، ما يعبر عن نمط عيش أو طريقة تصرف تنم عن انعدام روح المسؤولية في هكذا أمور تهم الوضع الصحي وتداعياته، لا سيما لدى الأطفال نظراً لضعف جهازهم المناعي في الدفاع ضد الجراثيم، ما يترك هؤلاء الأطفال والأولاد عرضة لتداعيات التقاط جراثيم أخرى تشكل خطراً داهماً، وربما تركت بصماتها على حياتهم فيما بعد.
ما هي العلامات السريرية لهذه الإصابات؟
الإصابات الفيروسية: يؤدي الالتهاب الحاد في اللوزتين إلى مجموعة من العلامات، تسمى إذا ما رافقها ألم حاد قابض «الذبحة» وترافق هذه الأعراض: صعوبة وألم في البلع وتبدأ باحمرار مع احتقان في البلعوم وزيادة في حجم اللوزتين، مع أو بدون تقرحها. وتمتد الإصابة إلى الحجاب البلعومي والعقد اللمفاوية، كما وتترافق في معظم الحالات مع ارتفاع في الحرارة (38.5 إلى 40)، ليمتد الألم إلى الأذن، في بعض الحالات؛ يصاحب ذلك رعشة برد عند الكبار، ويمكن أن تحصل مضاعفات عصبية، بسبب الحرارة، عند الأطفال دون 3 سنوات على شكل تشنج، يضاف إلى كل ذلك علامات عامة: آلام في الرأس والحنجرة، قلة شهية للطعام، تقيؤ، غثيان…. مع إمكانية حصول إصابة على مستوى الجهاز الهضمي أو التنفسي (غير نوعية في اغلب الأحيان).
تعتبر هذه الإصابات حميدة عموماً ويمكن أن تتراجع حدتها تلقائياً ويحصل الشفاء في فترة لا تتجاوز الأسبوع؛ وهي إصابات شائعة الحدوث، حيث يسجل في فرنسا على سبيل المثال 8 ملايين حالة سنوياً وكذلك الأمر في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعالج هذه الإصابات بوصفات أدوية مضادات حيوية في كثير منها، بينما الواقع لا يستوجب ذلك نظراً لكون الجراثيم المسببة هي في 75 % من الحالات من فصيلة الفيروسات التي لا ينفع معها استعمال المضادات لأنها غير فعالة. فيروسات تصيب الإنسان مهما كان عمره أو عنصره وفي أي فصل من السنة، وتقسم هذه الفيروسات إلى عدة فصائل نذكر منها: الفيروس الأنفي، الفيروس الغداني والفيروس الغشائي ومن الفصيلة الأخيرة يتحدر فيروس الأنفلونزا.
الإصابات البكتيرية: أما الإصابات الأشد خطورة، نراها تتمثل بفصيلة البكتيريا، وأغلبها ينتسب إلى فئة البكتيريا العقدية المكورة الرئوية، ونادراً ما يكون السبب بكتيريا الخانوق أو العقدية السبحية أو المكورة البُنية المسببة لمرض السّيلان الذي يصيب الإحليل عند الذكر البالغ، أو بكتيريا داء الزهري.
بالعودة إلى بكتيريا العقدية الرئوية، تلحظ الإحصائيات أن 5 % من الأشخاص يحملون هذه الجرثومة (في البلعوم)، ولكن من دون أن تصيبهم، فلا تبدو عليهم أي علامة مرضية (هم فئة حاملي الجرثومة الأصحاء)، إذ بإمكانهم نقل الجرثومة إلى الغير وبخاصة الأطفال، لاسيما الرضع منهم. (من هنا النصيحة بتقبيل الأطفال بعيداً عن أفواههم..!)
تشكل هذه الجرثومة نسبة تتراوح بين 25 إلى 40 %من الإصابات البكتيرية للوزتين، بحيث تصيب الأطفال والأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 12 عاماً، وفي هذه الحالة يكون المرض بالإجمال كامناً، إذ إن ارتفاع الحرارة يبدو السبب الوحيد لاكتشافه، خاصة عند الرضع.
الأشكال السريرية لإصابات اللوزتين والجراثيم المسببة.
في الشكل الإحمراري: والذي تصل نسبته إلى 90 % من الحالات، تكون الجرثومة المسؤولة في أغلب الأحيان فيروساً من الفصائل التي ذُكرت سابقاً، يطرح هذا الاحتمال أمام وجود تغيرات في المجاري الهوائية العليا (على شكل سيلان في الأنف، احتقان بلعومي، سعال..).
يبقى المصدر البكتيري الأكثر شكاً بالرغم من نسبته الضئيلة هو العقدة الرئوية المكورة، ويمكن تحديدها من خلال زرع مخبري لعينة من إفرازات البلعوم واللوزتين، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية الإصابة بفئات أخرى من هذه العقدية الرئوية رغم ندرة حصولها.
كذلك الأمر بالنسبة إلى جرثومة مستدمية الأنفلونزا أو المستديمة النزلية، وهي بكتيريا تعشش في اللوزتين وتصيب الأذن الوسطى بالالتهاب الحاد ومن تداعياتها الخطيرة التهاب سحايا الدماغ، وقد أصبحت هذه الإصابات أقل حدوثاً بعد إدخال لقاح فعال ضد هذه البكتيريا، منذ فترة طويلة وباكراً لدى الأطفال الرضع.
هناك شكل سريري خاص بإصابة اللوزتين البكتيرية وهو ما يشكل مرض الحُميرة أو الحمى القرمزية وتكون الجرثومة من فصيلة العقدية الرئوية كذلك، إذ تتميز هذه الأخيرة بإفراز نوع من المادة السّامة تدعى السّمين، يؤدي إلى ظهور طفرة نوعية في الجلد، تتسم باللون الأحمر القرمزي وتتمركز في أماكن محددة ولها طوبوغرافيا خاصة، وبعد فترة حضانة تمتد من 3 إلى 5 أيام، يتكون التهاب حاد في اللوزتين مع تغير خاص لغشاء اللسان وشعور بالصداع واستفراغ متكرر وارتفاع حرارة حتى 40 درجة مع تسرع لدقات القلب فوق العادة (نتيجة للمادة السامة).
الشكل شبه الغشائي للإنتان الحاد في اللوزتين، والذي يشكل 3 % من الإصابات:
تبقى أكثر الاحتمالات حدوثاً، الإصابة بتكاثر فوق العادة لخلية في الدم، موجودة عادة بنسبة محدودة، تدعى «وحيدة النواة» وتودي إلى مرض (كثرة الوحيدات العدوائية أو الخمجية)، سبب هذا المرض فيروس يعرف باسم (Epstein–Barr virus)، وهو يصيب المراهقين ويسمى بالفرنسية مرض العشّاق. نظراً لانتقال العدوى بواسطة اللعاب عن طريق التقبيل. تدوم حضانة الجرثومة فترة تتراوح بين 15 إلى 60 يوما وتؤدي إلى ارتفاع في الحرارة مع ظهور التهاب حاد أحمر اللون في البلعوم ووجود طلاء على اللهاة وطفرة فرفرية على الحجاب البلعومي، ما يميز هذا الشبه غشاء هو أنه يسهل انسلاخه وهو غير مطاطي وغير ملتصق ولا يتجدد، وتكون الحنجرة في هذا الشكل سليمة؛ ما يمكن من التشخيص التفريقي من الإصابة بالخانوق. يرافق هذه العلامات السريرية الموضعية انتفاخ الغدد اللمفاوية على جانبي العنق وتضخم في الطحال وإمكانية وجود طفح جلدي.
يثبت التشخيص بواسطة تحليل مخبري للدم الذي يظهر نسبة عالية من الكريات البيضاء من فئة وحيدة النواة ومن خلال تفاعل بيولوجي مناعي نوعي في الدم كذلك.
المرض الثاني الذي يدخل ضمن هذا الشكل السريري هو الإنتان في اللوزتين والذي يترافق مع وجود غشاء كاذب، ويحصل في مرض الخانوق وهو داء أضحى نادر الحصول بعد حملات التلقيح مع حملات التحصين المتواصلة منذ عشرات السنين. يسبب هذا المرض بكتيريا نوعية تدعى (Klebs-Loeffler) التي تؤدي بعد فترة حضانة تمتد من 3 إلى 7 أيام، إلى توعك عام يرافقه ارتفاع حرارة 38 إلى 38.5 درجة مئوية ووجود غشاء خاطئ على اللوزتين التي تنطلي بمادة بيضاء عاجية المظهر، لاصقة، تتجدد سريعاً بعد استئصالها وتصيب في مرحلة لاحقة الحجاب. ويرافق ظهور الغشاء الكاذب سيلان في الأنف أحياناً على شكل مصلي دموي مع انتفاخ في الغدد اللمفاوية تحت الفكين، وتكون حالة المريض العامة سيئة مع اضطراب في الصوت وسعال «نباحي» ما يشير إلى إصابة الرغام والحنجرة.
تبقى أشكال أخرى من الإصابات في اللوزتين كالشكل المتقرح الهرياني وأسبابها في الغالب فيروسية نذكر منها (التهاب اللثة التقرحي التموتي).
أهم الاختلاطات في إنتانات اللوزتين الحادة
- باختصار نشير إلى إنتان النسيج الخلوي، ويندرج في المضاعفات الناتجة عن ارتفاع الحرارة خصوصاً لدى الأطفال: ارتعاش عصبي، تجفاف (خسارة كمية مهمة من المياه والسوائل)…
- منه ما له علاقة بنوعية البكتيريا وبخاصة العقدية الرئوية التي تؤدي إلى مضاعفات متأخرة نسبياً بعد الإصابة: التهاب الكلية الحاد، الالتهاب المفصلي الروماتزمي الحاد، التهاب القلب، الرقص النسجي أو رقاص سيدنهام والتخمج في الدم…. وغيرها.
في ختام هذا الموضوع لا بد من التركيز على خطورة المضاعفات، للإصابة البكتيرية خصوصاً، من اجل لفت الانتباه وإسداء النصائح للابتعاد، بالأحرى الكف، عن المعالجة الذاتية، لاسيما عند الأطفال، والقيام دائماً باستشارة طبيب الأطفال الذي يشخص المرض ويعالجه في آن، لاتقاء هذه المضاعفات التي يمكن أن تطبع بصماتها على صحة الطفل مدى الحياة، حيث لا ينفع الندم!