حكم الاحتفال بالعام الميلادي
الشيخ الطبيب محمد غسان جزائري
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله القوي القهار ، الكبير المتعال ،الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
وصلى الله على نبينا محمد، سيد الخلق والبشر ، وعلى آله وصحبه وتابعيه خير العباد والأمم .
أيها المؤمنون : اتقوا الله رب العالمين ، واعلموا أن الخير أجمع عند الله وحده ، وأن من سار على نهج الله وهديه فاز وأفلح ، وربح الدنيا والآخرة ، ومن عصى الله ولم يطع أمره خاب وخسر،وإن ربح الدنيا فسيخسر الآخرة. والآخرة خير وأبقى.
إن من كلام الله تعالى قوله:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)).
لقاؤنا اليوم مع سؤال يدور في دنيا المسلمين : هل على المسلم من حرج إذا هشَّ وبشّ لأعياد غير المسلمين؟
وهل على المسلم من بأس إن أقام احتفالاً صغيراً في بيته مع زوجته وأولاده ،ارتدوا فيه ثيابهم الجديدة ، وانتظروا ل منتصف الليل، وتبادلوا التهاني والمباركات، وتناولوا ما لذَّ وطاب من طعام وشراب؟ هذا السؤال يثير أسئلة مماثلة من قبيل ما حكم الاحتفال بعيد الأم ؟ وما حكم الاحتفال بعيد الحب؟ ويثير سؤالاً كبيراً جداً : ما حكم تقليد المسلم لغير المسلمين؟
الجواب : إن من المبادئ الرئيسة التي قام عليها الإسلام ، وما انفك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبثها في المسلمين، ويؤكدها في حركاته وأفعاله:أن للمسلم كينونته الخاصة ، وسلوكياته المتميزة ، في كل شؤونه ما دقَّ منها وما جلَّ، ولا ينبغي لمسلم أن يكون مقلداً لغير المسلمين حتى ولو كانوا أهل كتاب.
قال تعالى :( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ(67)) الحج.
وقال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (48))المائدة.
تعالوا لنستعرض أمثلة هذه القاعدة التي استمسك بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وأصر عليها إصراراً شديداً، وجعلها نهجاً لصحابته وطريقاً لأمته من بعده :
1- عندما فُرِضت الصلاة على المسلمين تشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه الكرام في الوسيلة التي يدعون بها الناس إلى الصلاة فاقترح بعضهم إيقاد نار ، فكره ذلك رسول الله لأنه فعل الكفار والمجوس ، واقترح عليه بعضهم البوق ، فكرهه رسول الله لأن اليهود تستعمله ، واقترح عليه آخر الناقوس ، فكرهه رسول الله لأن النصارى تستعمله ، وهكذا كان شأن رسول الله مخالفة الكفار والمشركين وأهل الكتاب في شأنهم كله.
2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر.أخرجه أحمد وأبو داود.
3- وقال صلى الله عليه وسلم:(خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ) متفق عليه.
4- أخرج الإمام أحمد عن أي واقد اللَّيْثِيِّ قال:إِنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ , قَالَ: وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ , قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ,قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قوْمُ مُوسَى:{ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }.إنَّهَا لَسُنَنٌ ؛لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة.ً
5- أخرج الإمام أحمد:أنه لما أقام النبي صلى الله عليه وسلم سنوات في المدينة المنورة أحس أن اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك، فقالوا : إنه يومٌ نجَّى اللهُ فيه موسى وقومه من فرعون وملائه فنحن-أي اليهود- نصومه شكراً لله تعالى، فقال لهم : نحن أولى بموسى منكم فصام يوم عاشوراء ، وندب المسلمين لصيامه ، ولكي يخالف اليهود قال : ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع معه).
فهل أنت أيها المسلم حريص على أن تخالف الكفار وأهل الكتاب في شؤونهم كلها ؟
6- أخرج الترمذي عن أبي هريرة يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ ، فخَالِفُوهُمْ).
7-أخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه:(لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون).
8-عن جابر بن عبد الله ،أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال : ( أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولو كان موسى حيا وسعه إلا إتباعي ) شعب الإيمان. التهوك :التحير والتردد.
9- وقد قال عمر رضي الله عنه:" إياكم ورطانة الأعاجم،وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم، فإن السخطة تتنزل عليهم." رواه أبو الشيخ الأصبهاني والبيهقي.
10- قال عبد الله بن عمرو:" من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة".
11- هل أدلك على شر المسلمين؟ شر المسلمين من اتبع عادات غير المسلمين .
روى شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:( ليحملن شرارُ هذه الأمة على سنن الذين خلوا من أهل الكتاب حَذْوَ القُذة بالقذة ).رواه أحمد والطبراني .
ولعل سائلاً يسأل : كيف ندعو نحن - المسلمين - إلى الوحدة الوطنية ومع ذلك نطالبهم بأن يعتدوا بصبغة الله التي اختارها لهم وصبغهم بها ؟
والجواب : لا تعني الوحدة الوطنية أن نذوب في الآخرين وإلا لما كانت وحدة وطنية ، الوحدة الوطنية تعايشٌ وحسنُ تعامل وحفظُ دمٍ ومالٍ وعرضٍ ،وليست أن أقلدك في شعائر دينك وتقلدني في شعائر ديني ،قال الله تعالى :( لكم دينكم ولي دين).
ولقد أخرج أبو داود عن صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :( أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
فحسن المعاملة لا يعني أن تذوب في من يعايشونك على تراب الوطن. والوحدة الوطنية لا تعني أن تنسلخ من شعائرك وصبغة الله لك.
والنشاط العملي لهذه الخطبة : أن تكون هذه الليلة "ليلة العام الميلادي الجديد" ليلة كغيرها من الليالي في حياتك ،لا تتميز لا بسهر ولا بطعام ولا بأي شيء آخر.
واذكر ما روي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أحمد وأبو داود والطبراني .