فقدان حاسة الشمّ.. الأسباب والعلاج
يحدث نتيجة عدوى او التهابات في الأنف ويشير الى الاصابة بأمراض الشيخوخة
كمبردج (ولاية ماساشوستس الاميركية): «الشرق الأوسط»*
فقدان حاسة الشم يؤثر، في ما يؤثر، على طعم الغذاء. وفي بعض الاحيان فان علاجا من الادوية المضادة للالتهاب، يمكنه ان يساعد في اعادة الشم مرة اخرى.
لقد كان الشم في يوم ما، اكثر حواسنا بدائية. ومن المؤكد انه تعرض للاهمال من بين اكثر الحواس. اذ يمر العديد من الايام من دون ان نشعر بأي رائحة من أي نوع، فيما تمتلئ رؤوسنا بالصور والاشكال من اعيننا، والاصوات من آذاننا. والمكتب القياسي خال من الرائحة. اما الغذاء فانه يغلف بشكل محكم، بحيث ان الرائحة التي تنتشر في اغلب المتاجر الكبرى هي رائحة التنظيف وليس الغذاء. وبالطبع فهناك المعركة المتواصلة ضد رائحة الجسم، التي نكافحها بالغسل تحت المرشاش (الدوش) وبالصابون، ومزيلات الرائحة.
الا ان فقدان احساس الشم لدينا يبرهن مرة اخرى على صواب المقولة: انك لا تعرف الشيء الذي تملكه، الا حين اختفائه. وعندما يفقد الناس احاسيس الشم فان اولى الامور التي تحدث لديهم، هو ملاحظتهم بأن الغذاء أضحى اقل طعما. ومن المفهوم ان تفكر الغالبية منهم بان براعم التذوق لديهم قد ماتت. الا ان الطعم هو العلامة المرافقة للشم، وعندما يختفي (الطعم) فان فقدان الشم هو العامل الأكبر في ذلك.
والغذاء من دون طعم يسلب الانسان الشهية. ولذلك فان فقدان الوزن بل وحتى سوء التغذية، قد يكونان في بعض الاحيان ناجمين عن فقدان الشم. كما قد يقود اختفاء حاسة الشم ايضا الى تأثير معاكس، وهو زيادة وزن الانسان نتيجة تناوله الطعام بهدف تحقيق المتعة من أغذية من دون طعم.
ان فقدان الشم قد يكون خطيرا ان لم يتمكن الاشخاص الذين حصل لديهم من رصد الدخان من النيران او رائحة الميركابتان، وهو المادة الكيميائية المضافة الى الغاز الطبيعي كي يمكن تحديد رائحته. ولدى بعض الاشخاص فان فقدان القدرة على الشم، قد يؤدي الى انعزالهم وكآبتهم لأنهم يشعرون بأنهم معزولين عن العالم، وعن واحدة من احاسيس الحياة.
* اشارات الشمّ
* ان جهاز الشمّ، في تصميمه الاساسي، مماثل لأجهزة الحواس الاخرى. فهناك خلايا قادرة على استقبال المحفزات، وخلايا عصبية تقوم بنقل الرسائل التي تقول بانها استقبلت محفزات مثل هذه، وأجزاء من الدماغ تقوم بمعالجة المعلومات الواردة اليه وتحويلها الى إحساس وأفكار مرتبطة بذلك الاحساس.
وبالنسبة للشم فان المحفزات تأتي من الجزيئات المحمولة في الهواء، او ما يسمى بالمواد ذات الرائحة odorants. اما مستقبلات الشم، والخلايا العصبية فإنها تلتقط الجزيئات الواردة كما لو انها كانت وحشا بحريا يصطاد فريسته. وملايين من هذه المستقبلات تتوظب في مناطق صغيرة جدا لا تزيد مساحتها عن بوصة مربعة (نحو 6.25 سم مربع) في مستوى سقف تجويفي الأنف، بعيدا عن مجرى التدفق الهوائي اللازم للتنفس. ولذلك فان عليك ان تتنشق بقوة وان تأخذ كمية اكبر من الهواء نحو داخل انفك كي تتمكن من شم شيء ما بشكل جيد.
* كيف نشم؟
* وعندما تتحفز المستقبلات فإنها ترسل اشاراتها الى الخلايا العصبية في البصلة الشمية olfactory bulb، التي تشكل جزءا من الدماغ، رغم ان الطريقة التي توصف بها احيانا تبينها وكأنها مجرد أزرار مضافة. ثم ترسل الاشارات لاحقا الى مراكز الدماغ العليا عبر مسلك في جهاز الشم، الذي هو عبارة عن درب من خلايا الدماغ المخصصة لحمل “أنباء” الشم. وتأتي بعض معلومات الشم الثانوية مثل حرارة الرائحة، وحدتها، وإزعاجها، الى الدماغ ، عبر العصب مثلث التوائم وهو احد اعصاب الجمجمة. ويمتلك التجويف الانفي والفم توصيلة لقناة خلفية، وهي البلعوم الأنفي nasopharynx (الجزء الاعلى من البلعوم المتصل مباشرة بالمسالك الانفية). وهذه التوصيلة تمر من نهاية الفم نحو التجويف الانفي. وأحد اسباب تأثر الطعم الشديد بحاسة الشم، هو اننا وعندما نلوك الطعام او نبقيه داخل افواهنا، فان بعض الجزيئات الحاملة للرائحة تتمكن من العبور الى البلعوم الأنفي وتحفز مستقبلات الرائحة.
وحتى وقت قريب، فان حاسة الشم ظلت بعيدة عن اهتمام العلماء مقارنة بالحواس الاخرى. لكن عام 2004 شهد فوز ريتشارد أكسيل ولندا باك بجائزة نوبل في الفسلجة والطب، لأبحاثهما التي وصفت عمل جهاز الشم. وقد تعرف العالمان على 1000 من مختلف انواع الجينات التي ترمز الى نفس العدد من مستقبلات الرائحة (الفئران تمتلك 1000، الا اننا نمتلك 350). واظهرت الجوانب الاخرى لأبحاثهما الكيفية التي يقوم فيها الدماغ بـ “بناء” الرائحة انطلاقا من الاشارات المنفصلة الواردة اليه من مستقبلات مختلفة.
* عوائق المجرى
* حاسة الشم هي احدى اولى ضحايا نزلات البرد. فكل هذا الاحتقان يقوم بسد مجرى مرور الجزيئات التي تحفز عادة، مستقبلات الرائحة. كما تؤدي الى الاحتقان، انواع الحساسية، ونوبات الانفلونزا، والزوائد الأنفية، والاورام.
وفي بعض الحالات فان فقدان الشم قد يحدث بسبب التهاب الجيوب الانفية “الخفيف الحدّة” من دون وجود أي اعراض اخرى على التهاب كبير في الجيوب الانفية. وقد يكون انسداد خفيفا جدا، ولا يشمل بالضرورة عائقا رئيسيا، او تورما، ولذلك فان اختبارات التصوير هنا لا تقدم دوما المعلومات الكافية.
“تبريد” الالتهاب ومن الطبيعي، فان استراتيجية العلاج تعتمد على السبب المؤدي الى الحالة. فمضادات الهيستامين يمكنها المساعدة، إن كانت الحساسية قد قادت الى التهاب الانف او غشائه rhinitis. ومانعات اللوكوترين Leukotriene inhibitors يمكنها تقليل حجم الزوائد الانفية. والمضادات الحيوية توصف عند حدوث عدوى بكتيرية في الجيوب الانفية، رغم وجود تاريخ طويل في الولايات المتحدة للاستخدام الزائد عن الحاجة للمضادات الحيوية في علاج مشاكل الجيوب الأنفية. وأحد اكثر العلاجات فاعلية يمكن ان يكون علاجا قصيرا بالأدوية السترويدية القشرية corticosteroid التي يتم تناولها بالفم مثل “بريدنيسون” Prednisone وهو عقار شديد المفعول يقود الى تقلص انسجة الأنف والجيوب الانفية المتورمة والى “تبريد” عمليات الالتهابات الاخرى التي ربما كانت تتداخل مع عمل مستقبلات الشم. الا ان هذا العقار له مضاعفات مزعجة، ولذلك فان من الافضل استعماله لمدة اسبوعين فقط. ولبعض الناس فان هذه المدة كافية لإبعاد الالتهابات واستعادة حاسة الشم.
وربما تكون مرشاشات الانف الحاوية على الستيرويدات القشرية بديلا آمنا عن عقار “بريدنيسون”، لان تاثيرها مقتصر على الانف. الا ان بعض الابحاث تفترض انها اقل فاعلية. وان وصفت لك مرشاشة للانف، فان من المهم استخدامها بشكل صحيح بحيث يصل دواؤها الى المنطقة الصحيحة في الأنف. وعليك ان تحني رأسك الى الامام والى الاسفل عندما تضغط المرشاشة داخل انفك.
* اضرار الرأس
* ويفقد الناس حساسة الشمّ نتيجة حدوث ضرر في جهاز الشم نفسه على مستوى المستقبلات، والبصلة الشمية، او في المناطق الاعلى من الدماغ. وفي جوانب عديدة فان هذه الاضرار تشكل مشكلة اكبر من أي مشكلة اخرى مثل حدوث انسداد في مجرى الانف. ويتحقق الشفاء، وتعود حاسة الشم، الا هناك القليل مما يمكن عمله لعلاج الاضرار مباشرة. انها لعبة الانتظار والأمل.
والأضرار التي تحدث في الرأس هي احدى اسباب هذا النوع من فقدان حاسة الشم. اذ ان ضربة قوية يمكنها ان تضر بالبصلة الشمية او تعري ألياف العصب الرشيقة التي تغلف العظم المخرّم الفاصل بين التجويف الانفي وبين الدماغ . ووفقا لبعض التقديرات فان نحو 10 في المائة من الاشخاص الذين تعرضوا لضربات في الرأس، لديهم مشكلة ما في حاسة الشم.
الفيروسات المسببة لللعدوى في الجهاز التنفسي العلوي، قادرة ايضا على الحاق الضرر بانسجة الشم، خصوصا بالمستقبلات. وفي الواقع فان عدوى الجهاز التنفسي العلوي قد تكون السبب الاكثر شيوعا لعيوب الشم الناجمة عن الاضرار الواقعة على انسجة الشم. فهذه العدوى يمكنها ايضا التسبب في حدوث تورمات والتهابات، ولذلك فان من الصعب التعرف على سبب فقدان الشم إن كان من العدوى او من المستقبلات المتضررة او من كليهما.
الانباء المفرحة هي ان فقدان الشم نتيجة العدوى الفيروسية جزئي في العادة، أي ليس شاملا. واضافة الى هذا فان نحو ثلث المصابين سيشهدون تحسنا خلال نحو ستة اشهر، فيما تفترض بعض الدراسات بان اكثر من تلك النسبة سيتماثلون للشفاء بعد مرور سنتين.
* شيخوخة الأنف
* ان مناقشة شاملة لكل الامور التي تؤثر بشكل سيء على حاسة الشم، تحتاج الى مجلدات. والأسباب المحتملة تتراوح بين تناول ادوية مثل حاصرات بيتا beta blockers الى المواد الكيميائية والتعرض لدخان السيجائر، والاصابة بجالات وراثية نادرة. ويفقد نحو 90 في المائة من المصابين بمرض ألزهايمر حاسة الشم، وفقدان الشم غالبا ما يعتبر الاشارة الاولى لهذا المرض. كما ان غالبية المصابين بمرض باركنسون لديهم شكل ما من اشكال فقدان الشم.
ولكن وحتى أنوف الناس الأصحاء الاكبر سنا تصبح اقل حدة مع العمر. والأنوف الاكبر سنا، تمتلك عددا اقل من مستقبلات الشم وبصلة شمية أصغر لفقدانها الخلايا العصبية. وتقديرا، فان نصف الناس الذين تزيد اعمارهم عن 60 سنة لا يمكنهم الشم كما تعودوا في السابق. ان التذكرة نحو العمر المتقدم لها كلفتها.
* ما العمل؟
* نوبة قصيرة من فقدان حاسة الشم بسبب السعال او نزلة البرد لا تستوجب القلق. الا ان استمرارها كمشكلة موجودة او زيادة حدتها تتطلبان مراجعة الطبيب. وكما ذكرنا فان امرا بسيطا ومباشرا مثل علاج قصير بدواء “بريدنيسون” يمكنه صنع العجائب ان كانت المشكلة في الجيوب الأنفية او التهاب بسيط في انسجة الأنف. ووفقا للظروف التي ادت الى فقدان الشم، فانه يمكن طلب اجراء انواع عديدة من الاختبارات ومن ضمنها التصوير، وذلك للتعامل بشكل افضل مع المشكلة. واحيانا فانه قد يضطر لاجراء جراحة في الانف او الحيوب الانفية.
وان كنت تتناول ادوية، فانها قد تكون السبب، ولذلك فعليك الاتصال بالطبيب بغية ايجاد بدائل لها. وان كانت لديك مشاكل اخرى في الاعصاب، فان ذلك قد يدفع الى التحقق بشكل مبكر من احتمالات الاصابة بمرضي ألزهايمر وباركنسون. ومع ذلك وفي بعض الاحيانا فان الوصفة قد تكون جرعة من الصبر كي نرى ان رجعت حاسة الشم ولو قليلا. وان لم ترجع، فان عليك ان تنظم امورك للمساعدة في جعل طعامك افضل طعما. وقد اظهرت بعض الدراسات ان الاغذية التي يوضع فيها طعم اقوى تزيد من الشهية لدى الاشخاص الذين يعانون من خلل في شم الروائح <
*خدمة هارفارد الطبية – الحقوق:
بريزيدانت آند فيلوز – كلية هارفارد.