[size=32]العيد لحمة ورحمة[/size]
أحمد بن عبد المحسن العساف
العيدُ يوم جديد يُفيضُ على الحياة معنى جديدا لمْ يكُ حاضرا فيها منْ قبل، فالعيدُ يوم واحد يختلفُ عنْ باقي الأيام؛ وزمن قصير قدْ يُقضى فيه ما لا يكونُ في عمر طويل، وهذا منْ فضل الله على الناس يوم شرع لهم الأعياد وجعلها موضع اتفاق بينهم، وهي أعياد شرعية تجيءُ بعد مواسم فاضلة فيها البركاتُ والرحمات؛ فما أعظم فضل الله على عباده حين جعل توديعهم للمواسم في يومي عيد لا مثيل لهما؛ فقدْ جاءا بوحي رباني على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ولذا اتصلا بالسماء في معانيهما الجميلة واتصفا بخير مشهود للفرد والمجتمع.
ولأن العيد يحوي كثيرًا منْ القيم النبيلة يفرحُ به الجميع؛ فلكل واحد فيه مطلب وأمنية يسعى في تحقيقها اقتباسا منْ خيراته، غير أن أسمى المطالب ما كان خالصا لوجه الله ونافعا للكافة دون تحجير على رغبات الأفراد مادامتْ شرعية ومقبولة؛ إذْ لا يخلو فكر منْ غاية ولا تنفك نفس عنْ بُغية.
ومنْ المعاني التي يأتي بها العيد: معنى اللحمة والوحدة وشعور الجسد الواحد؛ فكمْ نحنُ بحاجة للتلاحم على مستوى الأمة الكبيرة وعلى مستوى الأقطار المختلفة فما دونها، ومنْ أعظم صوره أنْ يكون المرجعُ الأعلى للتحاكم وحل الخلافات واحدا، ومنْ اللحمة أنْ لا يبخس الحاكمُ حقوق شعبه وألا يتكاسل الشعبُ عنْ أداء حقوق ولاة الأمر والأمة، ومنها فتحُ الباب والقلب والعقل لأي رأي سديد أوْ قول وجيه بلا تثريب أوْ عقاب، وألا تُظلم فئات بسبب إقليمي أوْ اجتماعي أوْ طائفي معْ مراعاة أحكام الشريعة ومقتضيات المصلحة العامة، وما أجل تعميم الحرص على وحدة الصف بمقتضى الشريعة المطهرة.
وأي حلم لذيذ ذاك الذي يقودُ لتوحيد المجاهدين في البلدان المحتلة تحت راية شرعية واحدة ولغاية سامية مشتركة تتلخصُ في طرد المعتدي وتحكيم أمر الله، وما أجمل أنْ يصير العيدُ يوما لرأب صدع الأسر وإصلاح ذات البين وإعادة معنى السكن لحياة الزوجية المتعثرة.
ومن معاني العيد: معنى الرحمة والرفق، وما أسعد المجتمع إذْ يتراحمُ أهلُه، فكمْ بيننا منْ فقير ومعوز لا يجدُ قوت بعض يومه ولا يعرفُ جوابا يسكتُ بكاء صغاره؛ وبالرحمة الفطرية لا يبقى على ظهرها فقير يتضورُ وفينا منْ يعيشُ في بحبوحة باذخة لا يمكنُ تصورها فضلا عنْ تصويرها، وفي مجتمع المسلمين أيتام فقدوا العائل بحنانه ونصحه وحدبه؛ ومعْ ما للمؤسسات المعنية منْ جهود مباركة إلا أن كفالة اليتيم ورحمته والإحسان إليه وجبر كسره فضائل نعرفُها لكننا قدْ ننساها على أرض الواقع.
وفينا أرامل ومطلقات ينهشُ الوقت ُ نضارتهن وتقتلُ أنظارُ الناس البقية الباقية منْ سعادتهن، ومعْ كثرة جمعيات الزواج وعظم بركتها إلا أن الالتفات لهذين الصنفين منْ النساء معدوم أوْ محدود حتى باتا نهبا لغير الجادين منْ الرجال في سوق التجربة وموت المروءة، وفي السجون والمعتقلات أناس حُرموا فرحة العيد وأنس القرب منْ الأهل؛ حيثُ تمنعُ القضبانُ البهجة منْ الزيارة؛ ويزحفُ اليومُ على المظلوم منهم بتثاقل كليل طويل لمْ ينجل بصبح عدل أوْ فجر شهامة.
وليس للعيد مذاق بلا وحدة ولحمة؟ وأي جمال لعيد بلا تسامح ورحمة؟ ومنْ خير التلاحم ما ترعاه وسائلُ الإعلام والتوجيه؛ فهلْ ستنضجُ منابرُنا الثقافية لتعين على الاتحاد؟ وهلْ سنرى يدا "تشتري حسن الثناء بفعالها" تعيدُ للإعلام توازنه وترحمُ مجتمعنا ممنْ يحاولُ تجريده منْ دينه وتبديل قيمه وتشطير أهله؟ وهلْ سنعيشُ تلاحما شعبيا ورسميا في سبيل إشاعة معاني الرحمة واللحمة في المجتمع حتى لا تقوم قائمة للسوء أيا كان لبوسه؛ وحتى ننعم بثمار دعوة نبي الله إبراهيم دون إفساد مجاهر أوْ تنغيص غال أوْ غواية وسيلة أوْ غثاثة مرجف؟
ألا يكونُ فينا رجال ونساء يحملون هم المجتمع في كل طبقاته وفئاته للإصلاح والبناء والتطوير، ولو طال الزمانُ وتطاول الباطل، فللحق دوما بعد الخفوت ظهور وبعد الذهاب أوبة، وليس بعزيز على الله أنْ يرتقي العملُ الاجتماعيُ المباركُ ليدخل كل حي وحارة وبيت حاملاً معه بذور الرحمة وجذور اللحمة لننطلق إلى أفق رحب من العمل والتصحيح. |