عدد المساهمات : 1302 الموقع : https://assil.mam9.com/ تاريخ التسجيل : 02/11/2013 نقاط : 3394 السٌّمعَة : 3
موضوع: وما ارسلناك الارحمة للعالمين 9 الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 2:08 pm
رحمته بالعقول
قلت: لأختمنَّ لك ببابٍ من أبواب الرحمة لعله لا يخطر لك على بال.
قال: وما ذاك؟
قلت: لقد علَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس في مدرسته الرحمةَ بالعقول.
فقال متعجباً: وهل تُرحَم العقول؟!
قلت: مَنْ تعمُّ رحمته الجسد، فلا بدَّ أن تطال العقل.
قال: وكيف تكون الرحمة بالعقول؟.
قلت: إن أنت عوَّدتَ عقلكَ ألاَّ يقبل إلا الحقيقة، فقد رحمتَه. وإن أنت عوّدته أن يقبل الأباطيل والخرافات، فقد قسوتَ عليه وظلمتَه.
قال: صدقتَ والله، فكيف كانت رحمة محمد بالعقل؟.
قلت: لقد عوَّد (صلى الله عليه وسلم) الناس من حوله أن لا يحدِّثهم إلا بالصدق، والصِّدقُ أمُّ الحقائق، كما أن الكذب أمّ الأباطيل والخرافات. وقد كان (صلى الله عليه وسلم) يعلّمهم دائماً أنه بشرٌ مثلهم، لا يزيد عليهم إلا في الوحي والنبوة، تماماً كما تقول الآية القرآنية مخاطبة إياه: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾[1].
قال: أجل، لكن أين رحمته بالعقل؟.
قلت: روى الصحابي جابر بن عبد الله قال: انكسفتْ الشمس في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم مات إبراهيم ابن رسول الله، فقال الناس: إنما انكسفتْ لموت إبراهيم – تعظيماً له، وكان هذا من أباطيل وخرافات الجاهلية – فقام النبي (صلى الله عليه وسلم) فصلى بالناس ستَّ ركعات.. ثم وقف بالناس خطيباً فقال: «أيها الناس، إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلّوا حتى تنجلي»[2].
قال: صدقتَ، ولو لم يكن محمد نبياً صادقاً، لاستغلّ هذه الخرافة في تضليل الناس، وإيهامهم بما لا يقبله العقل السليم، لتدعيم مركزه بينهم.
قلت: ومِن رحمته (صلى الله عليه وسلم) بالعقول؛ أنه نهى المسلمين عن مقارفة أمورٍ تهبط بالعقل عن مستوى الإدراك الصحيح، كانت العرب تتعاطاها مثل: الطِّيَرة (التشاؤم) – والسحر – والكهانة (التنبؤ بالغيب)[3].
قال: لقد أذكرتَني الآن قول الشاعر الفرنسي (لامارتين) في قصيدته (مَنْ أعظم منك يا محمد؟) ممتدحاً نبذه للخرافة: «لا أحد يستطيع أبداً أن يتطلع، عن قصد أو عن غير قصد، إلى بلوغ ما هو أسمى من ذلك الهدف، إنه هدف يتعدى الطاقة البشرية، ألا وهو: تقويض الخرافات التي تجعل حجاباً بين الخالق والمخلوق، وإعادة صلة القُرْبِ المتبادل بين العبد وربه، ورد الاعتبار إلى النظرة العقلية لمقام الألوهية المقدس، وسط عالَمِ فوضى الآلهة المشوهة التي اختلقتها أيدي ملة الإشراك»